rss
twitter
    Find out what I'm doing, Follow Me :)

Pages

تاريخ الأدب العربي

عصر السقوط
نبذة تاريخية:
يراد بالدول المتتابعة الدول التي نشأت بين سقوط بغداد في أيدي التتار عام 656 هـ، وبين عصر النهضة [1] الحديثة.
وهو عمر طويل جداً، وقامت فيه دول كثيرة، أشهرها: دولة المماليك، والدولة العثمانية.
وفي مقرر التاريخ حديث عن هذا العصر من الناحية السياسية، أما هنا فسنقصر الحديث على الحياة الأدبية في هذا العصر، وعلى إيراد نماذج من أدبه، ورصد بعض الظواهر الأدبية البارزة فيه.
ويلاحظ أن هذا العصر يسمى بعصر الانحطاط، وهذا الحكم وإن كان صحيحاً في جوانب كثيرة منه إلا أن فيه ظلماً لهذا العصر، وجحداً لما قام به أدباؤه وعلماؤه، وما قدموه من خدمات للثقافة الإِسلامية والعربية، لعل أبرزها نشاطهم في ميدان التأليف، ومحافظتهم على التراث.
ويكاد النشاط الأدبي في هذا العصر أن يكون محصوراً في الشام ومصر، ولذلك
فأكثر الأدباء والشعراء والعلماء من هذين القطرين. أما العراق مركز الخلافة العباسية فإن التتار قد دمروا كل مظهر من مظاهر الثقافة فيه، فأحرقوا الكتب، وهدموا المدارس، وشردوا العلماء.
. ويقسم مؤرخو الأدب هذا العصر إلى مرحلتين:
1) عصر المماليك: ويبدأ من سقوط بغداد في يد التتار وينتهي باستيلاء السلطان سليم الفاتح على مصر والشام سنة 923 هـ. وعاصر هذه الدولة دولة بني الأحمر بالأندلس ودولة بني مروان والدولة الحفصية بشمالى أفريقية.
2) عهد الأتراك: ويمتد من سنة 923 هـ إلى حملة نابليون على مصر سنة 1258 هـ. وكان هذا العصر وبالا على اللغة العربية وأدبها.
1. الحياة السياسية
اجتاحت جيوش التتار البقاع الإسلامية في الجهة الشرقية، فعاث فيع جنود هولاكو فسادا بقتل أعيانها وتدمير مبانيها و معالمها الثقافية وإتلاف كتبها بحرقها أو رميها في نهر دجلة. وظلت مصر والشام منأى عن شر التتار وكانتا تحت راية المماليك، ولم يكن لديهم نظام محترم لولاية الدولة وقيادتها.
ثم قام الأتراك فيها بإزالة دولة المماليك وضم أغلب الأقطار العربية والاسلامية إلى تاج الخلافة العثمانية بالأستانة. وكان الأتراك لم يكن عليهم الثقافة العالية بل لا مهارة لديهم إلا مهارة القتال. وهذا يشاهد في سبب سقوط الدولة العباسية.
2. الحياة الاجتماعية
خلفت الحروب والفتن آثارا سلبية كارثية على الاقتصاد والبناء والتعمير. وكان أغلب الناس يعيشون في قلق وضنك. فالأراضي الفلاحية تعطى لأعوان السلطة لسد نفقات الجند وتحقيق الرفاهية لهم. وكذلك الصناعة والتجارة. فالتجارة محتكرة من طائفة والصناعة لم تتوافر لها البيئة.
وفوق ذلك، بل يريث كل ذلك إلى الأمراض الاجتماعية من فقر ورشوة وانحطاط خلقي وما إلى ذلك. فثمرة لذلك الاحتلال، ظهرت الخرافات والبدع و نشأ النزعة: نزعة مادية إباحية ونزعة روحية زهدية.
3. الحياة الفكرية
كذلك انحط الحياة الفكرية. تقل المدارس وانحصرت في المدن الكبرى ولم يتعلم فيها إلا أبناء ذوي اليسار.
ومع ذلك فإن عصر المماليك قد اهتم قليلا في هذا المجال بالجمع والتصنيف حتى سمي هذا العصر بـــعصر الموسوعات. ولهذه الدولة فضل كبير في احتضان الثقافة العربية بعد سقوط بغداد ولكن المؤلفات التي ظهرت في هذا العصر تكاد تخلو من الابداع والابتكار فهي لم تتعد حدود الجمع والتصنيف.
وأما في عهد الأتراك فقد شلت هذه الحياة الفكرية بعد أن نقلوا الكثير من رجال العلم والأدب إلى إسطنبول وأخذوا معهم الكتب القيمة. وأصبح وضع اللغة العربية مزريا بعد أن ألغى الأتراك ديوان الإنشاء وجعلوا التركية لغة رسمية للدولة.
4. الحياة الأدبية
اتسم المجتمع في تلك العصور بالقلق وعدم الاستقرار والتدهور في مختلف نواحي الحياه وضعفت الاخلاق وخمدت الحمية وضعف سلطان الدين في نفوس المسلمين حتى انطفات العقول وسكتت الاقلام الا من خفقات واهنه واناشيد خافته اذا اتصف الادب في هذه الفتره بالانحطاط والتراجع دون الالتفات الى دوره الفاعل في الحياة الثقافية والاجتماعية والحضارية.
من أبرز عوامل الانحطاط الأدبي:
 سوء الأحوال السياسية والاجتماعية التي لا تسمح للمواهب بالتفتح، وانصراف أغلبهم إلى مهن أخرى يكتسبون منها قوتهم كالتجارة والحدادة والجزارة.
 قلة مراكز الإشعاع العلمي والحضاري و إتلاف التتار والفرنجة للزاد الحضاري والثقافي بتدمير المكتبات العامرة وحرق كتبها كما حدث في المشرق والأندلس. وهذا أدى إلى حرمان الأدباء من الثقافة العميقة والمعرفة والعلم. فاتسم أدبهم عموما بالسطحية سواء أكان شعرا أم نثرا.
أ- بواعث النهضة الأدبية في العصر الحديث
1. البعثات العلمية
يأتي هذا الباعث في المقدمة. وقد بدأت فاعليته بعد انتشار الثقافتين الفرنسية والإنكليزية في المدارس والمعاهد التي أنشئت في الشام ومصر وتخرج فيها المعلمون الذين بعث بعضهم إلى فرنسة لإتمام تحصيلهم في مختلف العلوم. وكانت أولى البعثات عام 1826 في عهد محمد علي باشا، إذ اختير أربعة وأربعون طالباً من طلبة الأزهر، رأسهم رجل النهضة الكبير رفاعة الطهطاوي (1801-1873م). وقد عمل هؤلاء المبعوثون بعد عودتهم، وكل في نطاق اختصاصه، في ميداني الترجمة والتعليم. ثم توالت البعثات فيما بعد، فشملت عدداً من البلدان الأمريكية والأوربية.
2. حركة الترجمة
كان لترجمة الكتب الفرنسية والإنكليزية إلى العربية أثر كبير في النهضة الأدبية. وقد بدأت حركة الترجمة في بلاد الشام على يد بعض رجال البعثات الدينية، إذ ترجم هؤلاء بعض الكتب التي احتاجوا إليها في التدريس. لكن حركة الترجمة لم تقو وتتنوع إلا بعد عودة رجال البعثة المصرية الأولى الذين بدؤوا بترجمة بعض الكتب العلمية. ويعود الفضل الأكبر في تنشيط هذه الحركة إلى الطهطاوي الذي أنشأ «مدرسة الألسن» عام 1835. وقد عنيت هذه المدرسة بتعليم اللغات الأجنبية المختلفة، وترجم خريجوها مئات الكتب والقصص والمسرحيات. وشارك السوريون واللبنانيون بقوة في تلك الحركة، ولاسيما بعد أن هاجر بعضهم إلى مصر، مثل: نجيب الحداد، وبشارة شديد، وطانيوس عبده...حتى بلغ عدد الكتب المترجمة نحواً من ألفي رسالة وكتاب. ثم اتسع نطاق الترجمة بازدياد مطرد وما زال يتسع حتى اليوم إذ تشمل المترجمات أهم روائع الأدب العالمي في سائر اللغات الأجنبية الحية.
3. الطباعة
أنشئت أول مطبعة بحروف عربية في إيطالية عام 1514م، وطبع فيها بعض الكتب الدينية كسفر الزبور، ثم طبع القرآن في البندقية. أما في البلاد العربية فأول مطبعة أنشئت فيها كانت في حلب سنة 1706م، ثم تلتها مطبعة الشوير بلبنان سنة 1734م ثم أنشئت مطبعة في بيروت سنة 1751م. ولما قام نابليون بحملته على مصر سنة 1798م أحضر معه مطبعة مزودة بحروف عربية ولاتينية، وقد استخدمها لطبع المنشورات والصحف الخاصة بالحملة. وبعد انتهاء الغزو جعل محمد علي تلك المطبعة نواة للمطبعة الأهلية التي أسسها عام 1821م والتي عرفت فيما بعد باسم «مطبعة بولاق»، وطبعت فيها الكتب الدراسية والكتب المؤلفة والمترجمة. وبعد أربعين سنة بدئ بإنشاء مطابع أهلية كان أقدمها مطبعة «وادي النيل» ومطبعة «جمعية المعارف». كذلك تأسست في بيروت «المطبعة الأمريكية» عام 1834، ثم تلتها «مطبعة الآباء اليسوعيين» عام 1848، ثم مطبعة «الجوائب» التي أنشأها أحمد فارس الشدياق [ر] في الآستانة عام 1861. وقد نشرت كتب كثيرة في هذه المطابع، وبينها عدد من المعاجم العربية القديمة وطائفة من كتب الأدب ودواوين الشعر القديم إلى جانب أمهات كتب التاريخ. وقد تزايد عدد المطابع منذ مطلع القرن العشرين وتطور نوعها وأصبح أكثرها آلياً حتى لم يخل بلد عربي من مطبعة رافقت تكاثر عدد الصحف والمجلات.
4. حركة إحياء التراث
كان من أثر الاتصال بالغرب، وابتداء الاستقاء من ثقافته، وما رافق ذلك من استشراق أو استغراب، أن تنبهت العقول إلى ضرورة إحياء التراث العربي ونشره. وقد أنشا علي مبارك جمعية لنشر المخطوطات العربية القديمة برئاسة الطهطاوي. وفي عام 1898 تألفت جمعية أخرى للعناية بنشر كتب التراث، وكان من أعضائها أحمد تيمور وحسن عاصم وعلي بهجت. وقد أفادت حركة إحياء التراث مما سبقها إليه المستشرقون في ما نشروه من كتب التراث العربي، إذ عرف عن هؤلاء منهجهم العلمي في تحقيق المخطوطات، ومراجعة أصولها، وموازنة بعضها ببعضها الآخر، كما إنهم أخرجوا ما نشروه في طبعات أنيقة مزودة بالتعليقات المفيدة والفهارس الدقيقة. ولا يزال نشاط حركة إحياء التراث في تصاعد مستمر بفضل ازدياد الوعي بضرورة معرفة التراث معرفة صحيحة وشاملة، وتمثل خير ما فيه تمثلاً موضوعياً مفيداً.
5. الصحافة
كان لإنشاء المطابع، وانتشار الطباعة أثر واضح في ظهور الصحافة. ومن المتفق عليه أن الصحافة العربية ظهرت في مصر قبل غيرها من البلاد العربية، وكان ذلك في النصف الأول من القرن التاسع عشر، فقد أنشأ نابليون عام 1800م جريدة «التنبيه» وأصدرت البعثة العلمية الفرنسية سلسلة تاريخية قام بتحريرها إسماعيل الخشاب. فلما جاء محمد علي أصدر أول صحيفة عربية سنة 1822م هي «جرنال الخديوي» بالعربية والتركية ثم أصدر جريدة «الوقائع المصرية» سنة 1828م، باللغتين العربية والتركية ثم اقتصرت على اللغة العربية. وقد تداول رئاسة تحريرها بعض كبار الأدباء منهم الطهطاوي وحسن العطار والشدياق ومحمد عبده وعبد الكريم سلمان. وتلتها «المبشر» التي أصدرها الفرنسيون في الجزائر عام 1847م وكانت تصدر مرتين في الشهر، وكان حجمها كبيراً وعباراتها ضعيفة. ثم توقفت الصحافة في مصر وظهرت في سورية، أولاً على يد الإرساليين الأمريكيين إذ أصدروا نشرة دينية عام 1851م كانت تخرج مرة في السنة، ثم مرة كل أربعة أشهر، ثم احتجبت عام 1855م، وفي هذه السنة أنشأ رزق الله حسون في اسطنبول «مرآة الأحوال» وهي أول جريدة عربية سياسية خاصة، لكنها لم تستمر بعد السنة إلا قليلاً، وأنشئت بعدها جريدة «السلطنة» في الآستانة لجورج شلهوب عام 1857م، ثم «حديقة الأخبار» في بيروت عام 1858م لخليل خوري، وظلت تصدر بعد وفاته حتى عام 1909م. وقد ازدهرت الصحافة العربية بظهور «الجوائب» للشدياق في اسطنبول عام 1860م واستمرت حتى عام 1884م. وفي عام 1861 صدرت في تونس صحيفة «الرائد التونسي» وهي جريدة رسمية،ثم أنشأ المعلم بطرس البستاني «نفير سورية»، وابنه سليم «الجنة» ثم «الجنينة» عام 1871م. وفي عام 1866م أنشأ عبد الله أبو السعود في القاهرة الصحيفة السياسية «وادي النيل». وفي بغداد أنشئت «الزّوراء» عام 1868م، ثم ظهرت عام 1870م في بيروت صحيفة «البشير» على أيدي الآباء اليسوعيين.
6. المدارس والجامعات
سبق تأسيس المدارس والجامعات في مصر وبلاد الشام نظيره في الأقطار العربية الأخرى، وكان التعليم في مصر قبل محمد علي باشا مقصوراً على الكتاتيب وعلى الجامع الأزهر الذي أصبح في عام 1936 جامعة تضم كليتي «الشريعة وأصول الدين» و«اللغة العربية». وبعد عام 1961 أضيفت إليه كليات العلوم الحديثة المتنوعة. ومن الأزهر اختيرت أولى البعثات إلى فرنسة أيام محمد علي، وفي عهده أنشئت المدرسة الحربية ومدرسة الطب. وفي عهد الخديوي إسماعيل أنشئت مدارس الحقوق والمعلمين والعلوم والفنون والصناعات ودار العلوم العالية. وهكذا تدرج التعليم من الابتدائي إلى الثانوي، ولاسيما بعد عودة رجال البعثة الأولى من فرنسة، ثم عني المسؤولون بالتعليم العالي فأنشئت «الجامعة المصرية» في القاهرة عام 1908، وتوالى بعد ذلك إنشاء الجامعات الأخرى في القاهرة والإسكندرية وأسيوط وغيرها. أما في بلاد الشام فكانت مدارس البعثات الدينية أسبق من غيرها، ثم كثرت المدارس وتنوعت بين أهلية وأجنبية، فكان منها في لبنان مدرسة «عينطورة» التي أسسها الآباء العازاريون سنة 1834، ومدرسة «عبيّة» العالية التي أسست عام 1847، وأدارها المستعرب الأمريكي كرنيليوس فان دايك Cornelius Van Dyk ومدرسة «غزير» التي أنشأها اليسوعيون في العام ذاته. وفي عام 1860 أنشئت «المدرسة الإنكليزية» وهي أول مدرسة للبنات، ثم «الكلية الإنجيلية الأمريكية» للبنات عام 1861. وتوالت بعد ذلك مدارس البنات للراهبات العازاريات وراهبات المحبة و«زهرة الإحسان» للروم الأرثوذوكس... وسواها. أما أولى المدارس الوطنية الخاصة فقد أنشأها المعلم بطرس البستاني عام 1863 تحت اسم «المدرسة الوطنية» كما أنشأ المطران يوسف الدبس «مدرسة الحكمة» عام 1865. وفي عام 1866 أنشأت الإرسالية الأمريكية في بيروت كلية تخرج فيها طائفة من العلماء والمتعلمين ثم أصبحت هي ذاتها «الجامعة الأمريكية» الحالية. وكانت تدرس أولاً باللغة العربية ثم عدلت عنها إلى الإنكليزية. وفي عام 1874 نقل اليسوعيون مدرستهم من غزير إلى بيروت وأصبحت «الكلية اليسوعية» وكانت هي أيضاً تدرس بالعربية ثم عدلت عنها إلى الفرنسية. وفي سورية كان التعليم أول الأمر دينياً يتم في الزوايا والمساجد، وكان الجامع الأموي أكبر المدارس الإسلامية وأقدمها. ومنذ أواخر القرن التاسع عشر أخذت المدارس الابتدائية تنتشر في دمشق وحمص وحماه وحلب وسواها. ثم أنشئت في عام 1901 مدرسة للحقوق أضحت فيما بعد «كلية الحقوق»، وأنشئ «المعهد الطبي العربي» فكان منهما نواة الجامعة السورية بعد الحرب العالمية الأولى (جامعة دمشق اليوم).
7. الجمعيات الأدبية
أسست في العصر الحديث جمعيات كثيرة كان لها دور بارز في إذكاء روح النهضة. ومن هذه الجمعيات ما هو أدبي، وما هو علمي، وما هو سياسي. والمعول عليه هنا الأدبية، وإن أسهمت الجمعيات الأخرى إسهاماً غير مباشر في النهضة الأدبية. وسبقت بلاد الشام مصر وغيرها في هذا المضمار، إذ تأسست «الجمعية السورية» في بيروت عام 1847 على يد الإرساليين الأمريكيين، وكان هدفها نشر العلوم وترقية الآداب والفنون.وقد أربى أعضاؤها على الخمسين منهم بطرس البستاني وناصيف اليازجي، وقد زودت هذه الجمعية بمكتبة. ثم تأسست «الجمعية العلمية السورية» في بيروت وبلغ عدد أعضائها مئة وخمسين من مختلف مدن الشام إضافة إلى بعض المصريين، وظلت هذه الجمعية تعمل حتى عام 1868. ثم أنشئت في بيروت «جمعية زهرة الآداب» عام 1873 وكان من أعضائها نفر من الأعلام بينهم: سليمان البستاني، وأديب إسحاق، ويعقوب صروف، وفارس نمر، وإبراهيم اليازجي. وكان هدفها التمرس بالخطابة والبحث وكتابة الروايات والمسرحيات التي كان يمثلها الأعضاء أنفسهم. وقد توقفت في عهد السلطان عبد الحميد. ويضاف إلى هذه الجمعيات أندية وجميعات أخرى تأسست في أشهر حواضر بلاد الشام. أما في الآستانة - عاصمة السلطنة - فقد تأسس «المنتدى الأدبي» الذي اتخذ أعضاؤه من النشاط الأدبي واجهة للعمل السياسي القومي العربي. وأشهر الجمعيات في مصر «جمعية المعارف» أنشأها محمد عارف عام 1868 لنشر الثقافة وإحياء التراث. وقد نشرت كثيراً من كتب التاريخ والفقه والأدب وبلغ عدد أعضائها ستين وستمائة منهم: إبراهيم المويلحي والشدياق ومحمد شافعي ومصطفى رياض باشا وسواهم. وتلتها جمعيات ومنتديات كثيرة، منها «جمعية مصر الفتاة». وكان من أعضائها جمال الدين الأفغاني وأديب إسحاق وعبد الله النديم، وكان لتعلم المرأة أثر في ظهور بعض الجمعيات والنوادي النسائية التي عنيت بقضايا المرأة إضافة إلى اشتغالها بالنشاط الأدبي المرتبط بتلك القضايا. وفي المهجرين الأمريكيين: الشمالي والجنوبي أنشأ المهاجرون العرب أعداداً من الجمعيات والنوادي الأدبية، أشهرها في المهجر الشمالي «الرابطة القلمية» التي تأسست في نيويورك عام 1920، ورأسها جبران خليل جبران وكان ميخائيل نعيمة أميناً للسر فيها. أما في المهجر الجنوبي فقد تأسست «العصبة الأندلسية» في البرازيل عام 1933 ورأسها ميشال المعلوف أولاً ثم رشيد سليم الخوري الشاعر القروي ثم شفيق معلوف. ثم تأسست «الرابطة الأدبية» في الأرجنتين عام 1949 برئاسة جورج صيدح، ولكنها لم تعمر إلا عامين إذ حلت بعودة رئيسها إلى وطنه سورية.
8. المكتبات
من المكتبات المهمة ما هو عام وما هو خاص. وأشهر هذه المكتبات وأقدمها «دار الكتب الخديوية» التي أنشأها علي مبارك في القاهرة عام 1870، ثم «المكتبة الظاهرية» التي تأسست في دمشق عام 1878 أيام حكم الوالي مدحت باشا وأشرف على جمع كتبها ومخطوطاتها النفيسة الشيخ طاهر الجزائري ، ثم «المكتبة الأزهرية» التابعة للجامع الأزهر في القاهرة، وقد تأسست عام 1879 بعد أن ازدادت ثروة الجامع الأزهر من الكتب. ومن أشهر المكتبات الخاصة «الخزانة التيمورية» لأحمد تيمور، و«الخزانة الزكية» لأحمد زكي. وتمتاز هذه الأخيرة من سواها باحتوائها الكتب الأجنبية التي ألفها المستشرقون بالفرنسية والإنكليزية والألمانية وغيرها من اللغات. وأخيراً هناك «المكتبة الآصفية» لمحمد آصف ابن أخت أحمد تيمور. وفي بيروت تأسست «المكتبة الشرقية» للآباء اليسوعيين، ومكتبة «الجامعة الأمريكية». وفي العراق مكتبات «الكاظمية» و«كربلاء» و«النجف» و«الحلة» و«الساوة» و«بغداد». وفي المدينة المنورة مكتبة «عارف حكمت». وفي تونس «المكتبة الصادقية» وفي الجزائر «مكتبة الجزائر الأهلية» وفي الرباط «الخزانة العامة». وفي عام 1978 أنشئت مكتبة الأسد الوطنية في دمشق لتصبح أحدث وأهم مكتبة في الوطن العربي بما تحويه من نفائس الكتب، وما تستخدمه من تقنيات حديثة في الأرشفة والحفظ والإعارة، كما تهتم بجمع كل مايصدر من النتاج الأدبي والفكري العربي وما يتعلق بالثقافة العربية على وجه الإجمال.
9. المسرح والتمثيل
تعد المسارح والتمثيل من العوامل المهمة المساعدة في تنشيط الأدب ونهضته. وقد عرف العرب منذ قرون كثيرة فن «خيال الظل». لكن الباحثين يجمعون على أن المسرح العربي بمعناه الفني قد ولد في لبنان في منتصف القرن التاسع عشر حين نقل مارون النقاش مسرحية «البخيل» لموليير إلى العربية ومثلها في بيته عام 1848 بعد أن كان قد اطلع على المسرح والتمثيل في أوربة. ثم أخذ بعدها بتأليف المسرحيات وتمثيلها، وقد جمعت مسرحياته في كتاب «أرزة لبنان»، وكانت لغته فيها أقرب إلى العامية.وقد نظم خليل اليازجي مسرحية «المروءة والوفاء» ومثلت عام 1878.أما في سورية فقد تأثر أحمد أبو خليل القباني بمارون النقاش فألف ومثل أكثر من ستين مسرحية استوحاها من التاريخ العربي الإسلامي وقصص ألف ليلة وليلة، وأدخل فيها الشعر والموسيقى ولاسيما الموشح ورقص السماح. ومن تلك المسرحيات «هارون الرشيد» و«أنيس الجليس» و«ناكر الجميل» و«مجنون ليلى» و«الأمير علي». وانتقل إلى مصر ومعه جَوقة من الممثلين والمنشدين، فلقي ترحيباً هناك وعلت شهرته وكثر الآخذون عنه. واقتبس قصصاً عن الأدب الغربي.. وكان أسلوبه في أعماله مسجعاً وأقرب إلى الفصحى. وألف سليمان النقاش - ابن أخي مارون - فرقة تمثيلية هو الآخر وانتقل بها إلى الاسكندرية عام 1876 وترجم «أوبرا عايدة» واقتبس من بعض مسرحيات كورني وراسين، واشترك مع أديب إسحاق في تأليف المسرحيات التي شاركهما يوسف الخياط في تمثيل بعضها. ثم انتقل الخياط إلى القاهرة فمثل على مسرح دار الأوبرا مسرحية «الظلوم» التي حضرها الخديوي إسماعيل فأغضبته ظناً منه أن صاحبها يعرض به، فأمر بإخراجه من مصر. وكان المسرح قد بدأ في مصر عام 1869 على يدي يعقوب صنوع المعروف بأبي نظارة. وقد مثل اثنتين وثلاثين مسرحية من اقتباسه أو تأليفه عالج فيها بعض المشكلات الاجتماعية بأسلوب انتقادي تقرب لغته من العامية، منها تمثيلية «الوطن والحرية» التي أثارت غضب الخديوي إسماعيل فأمر بإغلاق مسرحه عام 1871، وألفت فرقة سليمان قرداحي ومعه سلامة حجازي عام 1882. وقد عمل حجازي مع أبي خليل القباني عند انتقاله إلى القاهرة عام 1884 كما عمل مع اسكندر فرح. وعلى أيدي هؤلاء ازدهر التمثيل الذي يجمع بين الجد والهزل والشعر والغناء وظل مسرحهم يعمل حتى عام 1900. ثم ألف جورج أبيض فرقته بعد أن عاد متخصصاً بهذا الفن من باريس عام 1910 فمثل مسرحية فرح أنطون «مصر الجديدة ومصر القديمة» التي كانت نقلة واسعة للمسرح باتجاه «المسرح الاجتماعي». وقد اتسم مسرح جورج أبيض بالجدية المأسوية واستمر حتى الحرب العالمية الأولى. وتابع المسرح في مصر تقدمه على يد يوسف وهبي الذي افتتح عام 1923 «مسرح رمسيس» ومثلت فرقته ما يقارب مئتي مسرحية كان بعضها مترجماً وبعضها الآخر من تأليفه أو تأليف غيره.
ومن الملاحظ أن التمثيليات العربية آنذاك - معربة أو مؤلفة - كانت إما مأساة Tragédie وإما ملهاة Comédie، أما التمثيليات الهزلية الضاحكة Farce فقد عرفت تقدماً واضحاً مع نجيب الريحاني [ر] الذي تقمص شخصية «كشكش بك عمدة كفر البلاص» الذي يهرب من زوجه ويركض وراء النساء. وقد تعاون الريحاني مع بديع خيري في تأليف مسرحيات هزلية شعبية، أو ترجمتها، كما تعاون معه في تمثيلها وإخراجها. وقد أربت تلك المسريحات على أربعين وكانت ذات طابع تهكمي ساخر. وأنشأ علي الكسار المعروف باسم «بربري مصر» مسرحاً هزلياً إلى جانب مسرح الريحاني، وانضم إلى فرقته الممثل إسماعيل ياسين الذي استمر بعد أن أخفق الكسار وأغلق مسرحه. وجاء بعده ممثلون هزليون آخرون، لكن عددهم ظل - ولايزال - أقل بكثير من أعداد الممثلين الجادِّين.
ب- الشعر
• تطور الشعر العربي الحديث:
1. طور الإحياء: وذلك برجوع الشعراء إلى تقليد ما كان عليه الشعر العربي في عصوره الذهبية المزدهرة، ولاسيما العصر العباسي، وتمثلهم لأساليبه وأخيلته، واقتفاؤهم آثاره في صياغة الصور البيانية والموسيقى الجزلة واللغة الفخمة.
2. طور التأثر بشعر الحداثة الغربية: وضح مما تقدم أن الشعراء بعد الحرب العالمية الأولى أخذوا يتأثرون بالشعر الغربي - الفرنسي والإنكليزي، الرومانسي خاصة - إما مباشرة، وإما عن طريق من تأثر به أو ترجم عنه، وقد أسفر هذا التأثر، بصورة أساسية، عن اتجاه شعري جديد يمزج بين خصائص الكلاسيكية في الصياغة الشكلية وبين كثير من خصائص الإبداعية في المضمونات وأساليب التعبير ومفردات اللغة الشعرية والنبرة الانفعالية الوجدانية.. وبوجه عام يعرف هذا الاتجاه الجديد، تمييزاً له من سابقه، باسم «الاتباعية الجديدة» وأحياناً باسم «المرحلة الإبداعية»، مع الكثير من التجاوز في هذه التسمية بالطبع. وفي هذه المرحلة ظهرت بوادر تجديد تتضمن نظم الشعر المرسل والشعر المنثور كما فعل الريحاني وجبران وأحمد زكي أبو شادي.
3. طور تجاوز الشكل القديم ومرحلة الشعر الحر: فقد تحرر الشعراء من الأوزان الخليلية القديمة واعتمدوا التفعيلة الواحدة - وأحياناً الجملة الموسيقية الشعرية الواحدة التي تتضمن تفعيلتين - أساساً لمدى طول البيت الواحد، وتخلوا عن وحدة البيت لصالح وحدة «المقطع الشعري» إذ تؤلف الصور المتشابكة «مشهداً» حركياً يعكس حالاً انفعالية عاطفية أو جزءاً من حالة تتكامل في القصيدة كلها محققة وحدتها الموضوعية، فيترابط الشكل والمضمون ترابطاً صميمياً. وقد سلف تبيان معنى «الملحمية» في النماذج المميزة لقصيدة التفعيلة هذه.
4. قصيدة النثر: تمثل هذه «القصيدة» - إن صحت تسميتها كذلك - طوراً من أطوار الشعر العربي الحديث، ولكنها تمثل اتجاهاً محدوداً على هامش الطور السابق. وهذه القصيدة تتحرر من الوزن والموسيقى كلياً وتبقي على الموسيقى الداخلية للعبارات، وتكتفي بإنشاء «الحال الشعرية» في أحسن الأحوال، مما قد يوجد في كثير من أشكال التعبير النثرية، الأمر الذي يجعل كثيرين من النقاد لا يصنفون النصوص المكتوبة بهذه الطريقة مع الشعر.
نتيجة لما تقدم يمكن القول إن الشعر العربي الحديث تأثر ببعض المذاهب الشعرية الغربية في الأطوار الثلاثة الأخيرة السابق ذكرها، ولكن لا يصح القول - على القطع - بأنه ظهرت فيه مدارس أو مذاهب أدبية كتلك التي عرفتها الآداب الغربية، وما سبق إيراده من «تسميات مدارس» إنما جاء من باب التجاوز لغرض التقريب والإيضاح. فحقيقة الأمر هي أنه توجد اتجاهات في الأدب العربي الحديث، وما ينقصها كي تسمى «مدارس» هو الأساس الفلسفي الذي تفتقده، والذي يعبر عن تغير في طبيعة النمو المجتمعي العام نمواً موازناً أو مكافئاً لما عرفه الغرب وكان منطلقاً ودافعاً لولادة مدارس الأدب عنده. وهذا الأمر يقود من جديد إلى التذكير بالإشكالية التي سبق ذكرها في الكلام على مفهوم الحداثة في بدايات هذا البحث.
• الموضوعات الجديدة
وظهرت في الشعر العربي في العصر الحديث بعض الفنون الشعرية التي لم تكن معروفة قديماً وهي:
1) الشعر المسرحي
نظم الشعراء الشعر المسرحي ((poésie dramatique بعد اطلاعهم على مسرحيات فرنسية وإنكليزية مثل مسرحيات شكسبير وموليير وكورني وراسين. و أقدم مسرحية شعرية عربية هي «المروءة والوفاء» لخليل اليازجي، ظهرت عام 1876. وأشهر شعراء المسرحية وأولهم أحمد شوقي وله عدة القصائد المسرحية وهي أميرة الأندلس و كليوباترا و مجنون ليلى و قمبيز و عنترة و علي بك الكبير. ومما لا ريب فيه أن المسرحية الشعرية لم يعد لها مكان في العصر الحاضر لأن التمثيل عامة يحاول التعبير عن مشكلات الحياة العادية، أي محاكاة الواقع، والأمر الذي يقتضي أن تكون لغته وطريقة كتابته وأدائه مشاكلتين لتلك المشكلات الواقعية.
2) الشعر القصصي
كثر إقبال الشعراء على نظم الشعر القصصي (poésie narrative) في العصر الحديث، وتنوعت موضوعاته، فكان منها التاريخي والديني والأدبي، من ذلك ما نظمه خالد الجرنوسي لبعض قصص القرآن في ديوانه «اليواقيت»، وعبد الرحمن شكري في قصة «النعمان ويوم بؤسه»، وأحمد عبد المعطي حجازي في «مذبحة القلعة»، وعمر أبو ريشة في «كأس» عن ديك الجن الحمصي. ونظم بعض الشعراء القصص الوعظية التعليمية على لسان الحيوان، أو الحيوان والإنسان، وتستهدف هذه مغزى سياسياً أو خلقياً أو إنسانياً كما فعل شوقي في الجزء الرابع من ديوانه «الشوقيات». ونظم بعضهم قصصاً تناولت بعض القضايا الاجتماعية مثل «الريال المزيف» لكل من طانيوس عبده وبشارة الخوري (الأخطل الصغير). واتجه بعضهم إلى نظم موضوعات وطنية في قصص شعرية مثل خليل مطران في «فتاة الجبل الأسود» و«مقتل بزر جمهر». وكانت لغة هؤلاء الشعراء مرنة طيعة في القصص إذ استطاعوا أن يوفقوا بين فني القصة والشعر. على أن ما نظم من القصص بالشعر الحر أكثر طواعية لتصوير المواقف والأحداث ورسم الشخصيات.
3) الشعر الملحمي
لم ينظم الشعراء العرب الشعر الملحمي (poésie épique) بالمعنى الدقيق المعروف عند الغربيين، ولاسيما عند اليونانيين مثل «الإلياذة» و«الأوديسة» لهوميروس أو «الإنيادة» لفرجيليوس بل نظموا ما هو أشبه بالملاحم. وهي مطولات توافرت فيها بعض شروط الملحمة كعنصر القص والتاريخ والأسطورة أحياناً من دون سائر الشروط الملحمية من تصوير الوقائع البطولية الخارقة في سيرة شخص أو تاريخ أمة. ومن هذه المطولات التي سميت ملاحم: ملحمة «عيد الغدير» للشاعر اللبناني بولس سلامة، و«الملحمة الإسلامية» لأحمد محرم. ولعل أول من كتب مثل هذا النوع من الشعر الملحمي وأكثر شعرائه شهرة هو بدر شاكر السياب من العراق في قصائد عدة منها «أنشودة المطر» و«المومس العمياء».
4) الشعر الغنائي أو الوجداني
هو الشعر الوجداني المترجم لتفكير الشاعر بأحاسيسه و هو خلاصة آرائه في الحياة التي يستمدها من البيئة التي يعيش فيها وهو أبرز أنواع الشعر وله عدة أغراض هي: الغزل و الفخر و المدح و الهجاء و الحكمة و الزهد و الوصف و الاعتذار و الشكوى والعتاب.
يدخل ضمن الشعر الغنائي (poésie lyrique)معظم ما أثر عن الشعراء العرب القدامى والمعاصرين، لأن بواعثه تتصل بوجدان الشاعر، وهو المحرض الرئيس لعملية الإبداع الشعري. وإذا كانت حركة الإحياء وأعلامها في مختلف الأقطار العربية تنتمي إلى الاتباعية (الكلاسيكية)، فإن كثيرين من رواد الإحياء حاولوا التجديد بعد الاطلاع على الشعر الغربي فكانت هناك اتباعية جديدة تختلط بنفحات إبداعية (رومانسية)، حتى إن هذه النفحات لتتغلب على الجوانب الاتباعية. وقد بدأ الشعراء تطوير الشعر الغنائي العربي وتجديده منذ محمود سامي البارودي - كما تقدم - لكن جهودهم في ذلك اتجهت إلى النواحي الفنية فكانوا يولون اهتماماً كبيراً للصياغة القديمة في معالجة الموضوعات الجديدة مثل القضايا القومية، والاجتماعية، والتأملية.
5) الشعر المهجري
إذا كانت بداية هذا القرن قد شهدت هذه الحملة العنيفة التي قادها العقاد وزملاؤه على الشعر التقليدي، فقد صاحبتها وآزرتها حركة أخرى كانت أكثر حرصاً على التجديد والتطور، وهي مدرسة شعراء المهجر الأمريكي التي هاجر شعراؤها اللبنانيون إلى الأمريكتين. وهناك في هذه العزلة النائية حاولوا أن يبنوا لأنفسهم عالماً صغيراً من المثل. لقد طال تنقيبهم عن الحق، وعن الخير والجمال، وعن الحرية والعدل، فلما لم يحققوا هذه المعاني في عالم الواقع، أقاموا لها مملكة خاصة من خيالهم، إنها محاولة تحرير وانعتاق وعودة بالإنسانية إلى عالم بسيط، عالم يقيم فيه الإنسان من إحساسات ذاته الصادقة قانوناً لنفسه، وتحتل فيه بساطة الطبيعة وصدقها المكان الأول، فكتب جبران خليل جبران شيخ هذه المدرسة قصيدته " المواكب ". فكانت الصرخة الأولى التي انطلقت تدعو إلى الخلاص بالعودة إلى الغاب، فمن الطبيعة وحدها تستمد روح الشاعر قوتها.
تجديد شعراء المهجر
أولاً: غلبت الإيحائية على التعبير الفني في القصيدة، وأصبح المفهوم الجديد للشعر أشبه بمفهوم أفلاطون الذي كان يضع الشاعر في مصاف النبي، وقد ساعدت هذه الإيحائية على تقليل الجهد الصناعي في القصيدة، وعلى الاعتماد على الخيال المترابط والوحدة العضوية.
ثانياً: اختفى النغم الخطابي في شعر هذه المدرسة، وتحوّل إلى غنائية صافية امتزج فيها الإيحاء بالفكرة العقلية.
ثالثاً: خفف كل من الوزن الرتيب والقافية الواحدة من سلطانهما على الشعر، فقد كان إخلاص الشاعر لشعره واستغراقه في فكرته، وثورته على القديم، أقوى من أن تجعله ينحني أمام عوائق الوزن والقافية، فواءمت هذه المدرسة بين الشكل المضمون، ونجحت في تطويع النغم الشعري وتلوينه.
رابعاً: ظهر أثر الثقافات المختلفة في شعر هذه المدرسة، فالتقت أفكار جبران بأفكار نيتشه، كما انتشر في شعرهم كثير من مصطلحات الصوفية التي استمدوا أغلبها من قراءتهم لمتصوفي العرب.
ت- تطور النثر وفنونه
يتضح مما تقدم أن أنواعاً نثرية جديدة ظهرت في الأدب العربي الحديث لم تكن معروفة على هذا النحو من قبل، وهي: المقالة - القصة - الرواية - المسرحية - السيرة، وأن الكتاب تناولوا في هذه الفنون موضوعات جديدة اقتضاها العصر الحديث منها: الموضوعات الاجتماعية والسياسية والقومية خاصة. وأن أساليب الكتاب في كل منها ظل متسماً بالطابع الأدبي الصرف على الرغم من التأثر بأسلوب الصحافة من حيث المرونة والبعد عن التكلف والمحسنات البديعية كما كان شائعاً قبل القرن التاسع عشر. وفي إطار الحديث عن النثر تذكر الأبحاث الفكرية التي تتناول قضايا التراث وإعادة قراءته وقضايا العصر العالمية والقومية والمحلية، إضافة إلى قضايا العلوم المعاصرة.. وما إلى ذلك. وقد كان للاستعمار ثم للتبعية الاقتصادية في الوطن العربي آثار مهمة في دفع الكتاب جميعاً للإسهام بأعمالهم الأدبية والفكرية - في الدعوة إلى التحرر والوحدة القومية ومحاربة الظلم ودفع الاستبداد في المراحل المختلفة من القرنين التاسع عشر والعشرين.
لقد عالج الكتاب مشكلات مجتمعاتهم العربية وأمتهم على اختلافها وتنوعها ونبهوا إلى المفاسد العامة الناجمة عنها ودعوا إلى الإصلاح أو الثورة، كل بحسب اتجاهه ورأيه. وفي مقدمة المشكلات التي تطرق إليها الكتاب هنا: الفقر والجهل وتحرر المرأة الذي لقي عناية خاصة هدفت إلى إطلاق طاقات «نصف المجتمع» وزجها في المعركة القومية التحررية الحضارية. وطبيعي أن تكون أساليبهم طيعة لينة يستطيع جميع المعلمين أن يتلقوا ما فيها بيسر ووضوح. وكانت الصحافة هي الميدان الأكثر رحابة لعرض المشكلات وإبداء الرأي فيها، وكان لذلك أهم الأثر في الليونة والتطويع المذكورين.
أما الأبحاث الفكرية على اختلافها فهي - ضرورة - موجهة لذوي الثقافة العالمية وللمهتمين أو المتخصصين. ولذلك فهي تلتزم حدوداً من أساليب التعبير لا يمكنها النزول دونها. وفي الموضوعات الأدبية الصرف اتسعت تجارب الكتاب الإنسانية فتنوعت المضامين تبعاً لها. فإلى جانب الأغراض القديمة كثرت العناية بالوصف، وبوصف الطبيعة خاصة، والإعراب عن المشاعر النفسية المختلفة تجاهها من حزن وفرح وتشاؤم وتفاؤل مع مزج ذلك كله بوصف الطبيعة أحياناً كما يفعل الإبداعيون. وقد عني كثير من الأدباء بالتعبير عن موضوعات إنسانية وفلسفية عامة متأثرين بما اطلعوا عليه من ثقافات وآداب غربية، وبرز ذلك عند أدباء المهجر أكثر من سواهم. ولئن كانت الموضوعات الاجتماعية والسياسية والقومية تقتضي العناية بالمعنى أكثر من الأسلوب فإن تلك الموضوعات الأدبية تمتاز بعنايتها بالأسلوب إلى جانب المعنى. فالألفاظ فيها أنيقة مختارة، والعبارات موشحة بالأخيلة والصور ومحلاة بالتوازن أحياناً أو ببعض السجعات العرضية، مع شيء من الاقتباس والتضمين أحياناً أخرى.
وإلى جانب ذلك برز عنصر اللغة العصرية الغنية بمفرداتها، وبمرونة استجابتها للصياغة والقوالب الفنية الجديدة التي اقتضاها تطور العصر ومستحدثات الحضارة. ودارت حول اللغة مناقشات نقدية كثيرة اختلفت فيها وجهات النظر بين الجديد والقديم، وتبعاً لهذا الاختلاف تنوعت طرائق تعبير الكتاب تنوعاً واسعاً حتى كاد يكون لكل كاتب «لغته» ومفرداته، ومن ثم أسلوبه الخاص المتميز به من غيره. وهكذا ارتقى النثر الأدبي العربي الجديد وأضحى عالمياً وترجم كثير منه إلى لغات العالم الحية المختلفة.








1 komentar:

PencintaMurabbi mengatakan...

salam,, ni smua yg awk postkn ni smua psal zaman arab moden yup,,

Posting Komentar