rss
twitter
    Find out what I'm doing, Follow Me :)

Pages

تاريخ الأدب في صدر الإسلام


تاريخ الأدب في صدر الإسلام
التمهيد
لا يخفى أنّ العصر الجاهلي ينقسم إلى عصرين والعصر الثاني يبدأ في مائة و خمسين عاما قبل الإسلام و ينتهي بدخول الإسلام في الجزيرة العربية[1]. وقد يُتّفَق على أن من عاشوا فيه يُسمُّون بأهل الجاهلية لا لجهلهم بل لبطرهم الحق ولطغيانهم وارتكابهم الفواحش مثل ما فعله من يتّصف بالجهل الحقيقي.
ذلك العصر يتوسّط بين رسالة عيسى عليه السلام ورسالة نبيّنا محمد صلى الله عليه وسلّم ويسمى أيضا بالفترة. ولهذا كان أكثر أهل هذا العصر ليس لهم اعتماد في العقيدة والقيم الدينية فيفعلون كما شاءوا ويرتكبون الفواحش والمنكرات كما راموا ويقتلون بناتهم زعما أنهنّ ضعيفة لا ينفعْنَ فيما بعد.
ولكن وراء خصالهم المذمومة وصفاتهم الهائنة وسجاياهم الْمَعِيبَة فإن لديهم مزايا لا يملكها أهل غير هذا العصر ولهم الذكاء الطبيعي والفصاحة البليغة والبدهية الجذابة في إلقاء ما خطر ببالهم. فهم يتحادثون باللغة العربية الممتزجة بالأدب الأصيل وهم يتكلّمون ويخطبون بلغة الأدب ولا سيما هم ينشدون الأشعار بلغة الأدب البليغة في أكثر أوقاتهم عند تتبع مساقط الأمطار لاستيفاء حوائج مواشيهم.
ثم جاء الدين السماوي الأخير، الدين الذي فيه الشريعة السمحاء، الدين الذي لا يقبل سواه من الأديان عند الله مدبّر كلّ أمور العباد وهو دين الإسلام الذي جاء به الرسول الصادق المصدوق الأمين المأمون، مصداقا بقوله تعالى: `tBur Æ÷tGö;tƒ uŽöxî ÄN»n=óM}$# $YYƒÏŠ `n=sù Ÿ@t6ø)ムçm÷YÏB uqèdur Îû ÍotÅzFy$# z`ÏB z`ƒÌÅ¡»yø9$#[2] وقوله عزّ وجلّ: ¨bÎ) šúïÏe$!$# yYÏã «!$# ÞO»n=óM}$# 3 [3].
فتغيرت ثقافتهم شيئا فشيئا وتحولت عاداتهم السيئة إلى ما هو أصلح وأحسن منها شبرا بشبرٍ وكذلك في مجال الأشعار، فقد غيّر هذا الدين وحدّدها وخاصة عندما سمعوا القرآن الكريم كتاب الهدى للمسلمين فإن في كلامه وأسلوبه أدبا وبلاغة الذي لا يجيء به أهل الجاهلية فبعضهم متعجبين بلغة القرآن والآخر يهيّنه ويقول إنه ساحر من عند النبي صلى الله عليه وسلم قال تعالى: (إنه لقول رسول كريم * وما هو بقول شاعر قليلاً ما تؤمنون * ولا بقول كاهن قليلاً ما تذكرون * تنزيل من رب العالمين)[4].
وبالرغم من ذلك، فإن كلّ فرد من أفراد الطوائف العربية لا يستطيع إتيان آية تستوي بآية القرآن تماما كما نصّه الله في قوله: bÎ)ur öNçFZà2 Îû 5=÷ƒu $£JÏiB $uZø9¨tR 4n?tã $tRÏö7tã (#qè?ù'sù ;ouqÝ¡Î/ `ÏiB ¾Ï&Î#÷VÏiB (#qãã÷Š$#ur Nä.uä!#yygä© `ÏiB Èbrߊ «!$# cÎ) öNçFZä. tûüÏ%Ï»|¹[5].
انطلاقا من هذا الأمر، نشأ الأدب بإطار جديد و تطوّر الأدب ومواضيعه في هذا العصر أى صدر الإسلام أو بدايته وتنمّى ولكن وضع الإسلام حدودا للأدب خاصة للأشعار الجائزة وقد نص القرآن فيما يلي: âä!#tyè±9$#ur ãNßgãèÎ7®Ktƒ tb¼ãr$tóø9$# ÇËËÍÈ óOs9r& ts? öNßg¯Rr& Îû Èe@à2 7Š#ur tbqßJÎgtƒ ÇËËÎÈ öNåk¨Xr&ur šcqä9qà)tƒ $tB Ÿw šcqè=yèøÿtƒ ÇËËÏÈ wÎ) tûïÏ%©!$# (#qãZtB#uä (#qè=ÏJtãur ÏM»ysÎ=»¢Á9$# (#rãx.sŒur ©!$# #ZŽÏVx. (#rã|ÁtFR$#ur .`ÏB Ï÷èt/ $tB (#qßJÎ=àß 3 ÞOn=÷èuyur tûïÏ%©!$# (#þqßJn=sß £r& 5=n=s)ZãB tbqç7Î=s)Ztƒ[6].
1) حدوده الزمانية
يبدأ هذا العصر بظهور الإسلام سنة 610 م وينتهي بقيام الدولة الأموية سنة 661 م (40 ﻫ) وهو يضمّ عهد النبي وعهد خلفائه الراشدين. وبالجملة إن طول هذا العصر مقدار 51 عاما[7].
فعهد النبي صلى الله عليه وسلّم ثلاث وعشرين سنة، قضى منها إحدى عشرة في مكّة واثنتي عشرة في يثرب أو المدينة المنوّرة. وأما بعد وفاة الرسول في سنة 12 ﻫ (632 م) فخلفه بالتوالي أربعة من خيار الصحابة و هم : أبو بكر الصدّيق (ثلاث سنوات) وعمر بن الخطاب (عشر سنوات) وعثمان بن عفان (إحدى عشرة سنة) وعلي بن طالب (خمس سنوات).
2) أحوال العرب الجاهلي و آثار الإسلام فيها
أ‌- البعد الديني
كان للعرب الجاهليّين عّدة الأديان وشتّى المذاهب، قليل منهم اليهود وعدد كثير منهم من المسيحيّين ولكنّ هذا الدين رغم كثرة أمته ليس منتشرا بينهم، ومعظم العرب الجاهليّين كانوا وثنيّين مشركين يعبدون الأصنام والأحجار والكواكب والنيران وينكرون البعث والنشور. فلما ظهر الإسلام دعاهم إلى دين واحد مرضي عند الله وعلّمهم العلوم الجديدة وردّ كلّ المعتقدات سوى المسيحية واليهودية[8].
ب‌- البعد الفكري والنفسي
حارب الإسلام كثيرا من الخرافات والأوهام من مثل العرافة والعيافة والكهانة فدعا الناس إلى التفكير المنطقي والتأمّل العقلي وطلب العلم والمعرفة.
ت‌- البعد السياسي
لا يخفى أن العرب في الجاهلية ينكوّن من شتى القبائل وعدّة المذاهب وكثرة الطوائف لا تجمعهم وحدة سياسية ولا نظام سياسي رغم أن فيها دولة صغيرة وهي الغسانية تحت حكم البيزنطينيّين والمناذرة تحت حكم الفرس وهكذا لم يكن للعرب على البعد السياسي أيّة أهمّية. فجاء الإسلام فجمع القبائل ووحّد الطوائف تحت لواء الدين وأوجد لهم دستورا ونظاما وكوّن لهم دولة تنمو يوما بعد يوم منذ عصر النبي مرًّا بعصر الخلفاء الراشدين الأربعة، وكان في نهاية عصرهم كان الإسلام قد سيْطر على جميع أجزاء الجزيرة العربية وعلى مصر وبلاد الشام وبلاد العراق وقسم من بلاد فارس.
ث‌- البعد الاجتماعي والخلقي
وعلى الجملة فإنّ حالة العرب الجاعليّين قبل ظهور الإسلام مليئة بأنواع الضلال والهوان ومشحونة بشتى الظلام يرفعون ويمدحون قبيلتهم ويضعون آخر. ثم وضع الإسلام تشريعات اجتماعية للزواج والطلاق والبيع والشراء والمعاملات والرقيق والمرأة وأهل الذمة من المسيحيّين واليهود فانقلبت انظمتهم الاجتماعية الجاهلية إلى الانظمة الاجتماعية الإسلامية وانصرف إلى الزراعة والصناعة والتجارة والعلم وتبدّلت أشياء كثيرة في المجتمع العربي وأخذ العرب بأساليب الحضارة والتمدّن والتنظيم.
وكان من صفات العرب قبل الإسلام وخلاله أن يأكل القوي الضعيف ولا يزال التغازي والسلب والنهب والابتزاز والغصب مبادئ حياتهم فصلحت بالإسلام حالهم وسادهم العدل والنظام وجاء الإسلام بمثالية خلقية -تقوم على الإيمان بالله وطاعته ونبذ الروح الجاهلية وروح النزق والحمية والجهل- حلّت محلّ مثالية جاهلية -تقوم على الشجاعة الشخصية والشهامة التي لا حدّ لها والكرم حتى الإسراف والقسوة في الانتقام والأخذ بالثأر-[9].
ج‌- البعد الاقتصادي
تطورت حياة العرب الاقتصادية تطورا عظيما بسبب الفتوح فتدفّقت الأموال على بيت المال وتوزّعت الغنائم على المجاهدين وكثرت جباية الجزية والخراج والفيئ وأوجب الإسلام عليهم الزكاة من أموالهم تطهّرهم وتزكّيهم التي توزّع إلى الفقراء والمساكين والمحتاجين فكان كل امرئ نال نصيبه من ذلك.
ح‌- البعد الأدبي
§ في مجال اللغة
توحّدت اللغة العربية بلهجاتها العديدة وانصهرت جميعها في لهجة قريش حتى أصبحت لغة الدين والأدب وتأثرت بأسلوب القرآن وجمال تركيبه وبلاغة تعبيره. وكذلك انتشرت اللغة العربية مع انتشار الإسلام حتى إلى جميع جزيرة العرب وبعض البلاد العجمية.
§ في مجال الأدب
كان للعرب ذوق الأدب ولكنهم أمّيون لا يكتبون ولا يقرأون، @è%ur tûïÏ%©#Ïj9 (#qè?ré& |=»tGÅ3ø9$# z`¿ÍhÏiBW{$#ur óOçFôJn=ór&uä 4 ÷bÎ*sù (#qßJn=ór& Ïs)sù (#rytF÷d$# ( cÎ)¨r (#öq©9uqs? $yJ¯RÎ*sù šøn=tã à÷»n=t6ø9$# 3 ª!$#ur 7ŽÅÁt/ ÏŠ$t6Ïèø9$$Î/[10]. فبعد مجيئ الإسلام كانوا يحاربون النبي صلى الله عليه وسلم فعلا أى بالمعركة وقولا أى بالاستهزاء على سبيل إنشاد الأشعار وكان من بين أسلحتهم سلاح الشعر. إزاء هذه الوقائع رأى ضرورة محاربتهم بمثل سلاحهم فاتخذ هذه الغاية جماعة من الشعراء منهم حسان بن ثابت كعب بن مالك وعبد الله بن رواحة يردّون على الكفار ويسفهون آراءهم ويذوذون عن الإسلام ونبيه. وبالجملة فإن الشعر في هذه الحقبة قد خفّت صوته بعض الخفوت ولكنّه لم يندثر ولم يكن محرّما كما يحاول أن يزعم بعض الدارسين[11].
وأمّا الخطابة والمثل فإن لهما اهتماما شديدا من النبي وأصحابه فكانوا يخاطبون الخطب الدينية والحربية والسياسية وكأنها وسيلة فذّة للدعوة الإسلامية ولكنّ طريق لإلقائها لم يكن مخالفا لطريق الجاهلية بل إنه سيّان، إنّهم يلقون الخطب بالقيام أو القعود على الإبل والجمل حاملا السيف أو الرمح. وكذلك المثل، فإن القرآن يساهم كثيرا في تقدّمه ونموّه فكيف لا؟ وقد كثر الأمثال في القرآن والأحاديث النبوية.
3) الأدب في هذا العصر
أ‌- النثر
§ الخطابة
لا يخفى أن هذا العصر عصر الدعوة إلى الإسلام فاحتاج إلى الخطبة كوسيلة لإلقاء الخطب وكان أشهر الخطباء فيه النبي ثمّ الخلفاء الراشدين.
خطبة أبي بكر الصدّيق:
أخرج ابن سعد والمحاملي وغيرهما عن عروة قال: لمّا ولي أبو بكر خطب الناس فحمد الله وأثنى عليه ثم قال:
"أما بعدُ أيها الناس! قدْ وَلِيتُ أمرَكم ولسْتُ بِخيرِكم ولكنْ نَزَلَ القرآنُ وسَنَّ النبيُ السُنَنَ فعَلَّمَنَا أنَّ أَكْيَسَ الكَيْسِ التُقَى، وأنَّ أَحْمَقَ الْحُمْقِ الفُجُورُ وإنَّ أَقْوَاكُم عِنْدِي الضَعيفُ حتّى آخُذَ له بِحَقِّهِ، وَإنَّ أَضْعَفَكُمْ عِنْدِي القَوِيُّ حتّى آخُذَ مِنْهُ الحَقَّ، أيُّهَا النَّاسُ! إِنَّمَا أنَا مُتْبِعٌ ولَسْتُ بِمُبْتَدِعٍ فإِنْ أحْسَنْتُ فأَعِيْنُونِي وَإِنْ زِغْتُ فَقُومُونِي، أَقُولُ قَوْلِي هذَا وأَستَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ[12] ".
§ الحكمة والموعظة
نموذج الموعظة من عمر بن الخطاب:
أخرج الدينوري عن عمر رضي الله عنه أنه وعظ رجلا فقال:
"لَا تُلْهِكَ الناسُ عن نَفْسِك فَإِنَّ الأمْرَ يَصِيرُ إِلَيْكَ دُوْنَهُمْ، ولا تَقْطَعِ النَهارَ سَارِبًا فإِنَّهُ مَحْفُوظٌ عليك مَا عَمِلْتَ، وَإِذَا أَسَأْتَ فَأَحْسِنْ فَإِنِّي لا أَرَى شَيْئًا أَشَدَّ طَلَبًا ولا أَسْرَعَ دَرَكَةً مِنْ حَسَنَةٍ حَدِيثةٍ لِذَنْبٍ قَدِيمٍ[13] ".
§ المثل
نماذج الأمثال من علي بن طالب: مَنْ لَانَ عُوْدُهُ كَثُرَ أَغْصَانُهُ، مَا الْفَقْرُ إِلَّا المَوْتُ الأكْبَرُ، هَلَكَ امْرُؤٌ لَا يَعْرِفُ قَدْرَهُ.
ب‌- الشعر
§ المديح
وهو الشعر لمدح امرئ حميد أو شيئ محمود. نموذج الشعر المديح من عبد الله بن كرز في مدح العمل الصالح:
فَإِنِّي وَأَهْلِي والّذِي قَدَّمَتْ يَدِي * كَدَاعٍ إِلَيْهِ صحبه ثُمَّ قَائِلِ
لِإِخْوَتِهِ إِذْ هُمْ ثَلَاثَةُ إِخْوَةٍ * أَعِيْنُوْا عَلَى أَمْرٍ بِي اليَوْمَ نَازِلِ
فِرَاقٌ طَوِيلٌ غيْرُ مُتْثِقٍ بِه * فَمَاذَا لَدَيكُم فِي الّذِي هُوَ غَائِلِ[14]
فَقَالَ امْرُؤٌ مِنْهُم أَنَا الصَاحِبُ الّذِي * أُطِيعُكَ فِيمَا شِئْتَ قَبْلَ التَزَائِلِ
فَأمَّا إِذْ جَدَّ الفِرَاقُ فَإِنَّنِي * لِمَا بَيْنَنَا مِنْ خَلَّةٍ غيرُ وَاصِلِ
فَخُذْ مَا أَرَدْتَ الْآنَ مِنِّي فَإنَّنِي * سَيَسْلُكُ بِي فِي مَهِيلٍ مِنْ مَهَائِلِ
فإِنْ تُبْقِنِي لِا تُبْقِ فَاسْتَنْفَدْنَنِي * وَعَجِّلْ صَلَاحًا قَبْلَ حَتْفِ مَعَاجِلِ
وَقَالَ امْرُؤٌ قَدْ كُنْتُ جِدًّا أُحِبُّهُ * وَأُوْثِرُهُ مِنْ بَيْنِهِم فِي التَفَاضُلِ
غِنَائِي أَنِّي جَاهِدٌ لَكَ نَاصِحٌ * إِذاَ جَدَّ الْكَرْبُ غَيْرُ مُقَاتِلِ
ولَكِنَّنِي بَاكٍ عَلَيْكَ وَمُعْوِلٌ[15] * وَمُثْنٍ بِخَيْرٍ عِنْدَ مَنْ هُوَ سَائِلِ
ومُتْبِعَ المَاشِيْنَ أَمْشِي مُشَيَّعًا * أُعِيْنُ بِرِفْقٍ عَقَبَةَ كُلِّ حَامِلِ
إِلَى بَيْتِ مَثْوَاكَ التِي أَنتِ مَدْخَلُ * اَرْجِعُ مَقْرُوْنًا بِمَا هُوَ شَاغِلِي
كَأَنْ لَمْ يَكُنْ بَينِي وبَيْنَكِ خَلَّة * وَلَا حُسْنُ وُدٍّ مَرّةً فِي التَبَاذُلِ
فَذَاكَ أَهْلُ اْلمَرْءِ ذَاكَ غِنَاؤُهُمْ * وَلَيْسَ وَإِنْ كَانُوا حُرَّاصًا بَطَائِلِ
وَقَالَ امْرُؤٌ مِنْهُم أَنَا اْلأَخُ لَا تَرَى * أَخًا لَكَ مِثْلَ عِنْدَ كَرْبِ الزَّلَازِلِ
لَدَى القَبْرِ تَلْقَانِي هُنَالِكَ قَاعِدًا * أُجَادِلُ عَنْكَ القَوْلَ رَجْعَ التَجَادُلِ
وَأَقْعُدُ يَوْمَ الْوَزْنِ فِي الْكَفَّةِ الَّتِي * تَكُوْنُ عَلَيْهَا جَاهِدًا فِي التَثَاقُلِ
فَلَا تَنْسَنِي وَاعْلَمْ مَكَانِي فَإنّنِي * عَلَيْكَ شَفِيقٌ نَاصِحٌ غَيْرُ خَاذِلِ
فَذَلِكَ مَا قَدَّمْتُ مِنْ كُلِّ صَالِحٍ * تُلَاقِيْهِ إِنْ أَحْسَنْتُ يَوْمَ التَوَاصُلِ[16]
وهذه الأبيات قالها عبد الله بن كرز في وصف الأعمال الصالحة كخير صاحب كما روت عنه عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم يوما لأصحابه: أَتَدْرُونَ مَا مَثَلُ أَحَدِكُم ومَثَلُ أهْلِهِ وَمَالِه وَعَمَلِه؟ فَقَالُوا: اَللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، فَقَالَ: إِنَّمَا مَثَلُ أَحَدِكُم وَمَثَلُ أَهْلِهِ وَمَالِه وعَمَلِه كَمَثَلِ رَجُلٍ لَهُ ثَلاثةُ إِخْوَةٍ ...إلى أن قال...ثُمّ يقولُ لأَخِيهِ الآخَر: أَتَرَى مَا قَدْ نَزَلَ بِي ومَا رَدَّ عَلَيَّ أَهْلِي وَمَالِي فَمَا لِي عِندَك وما لِي لَدَيكَ؟ فيَقُولُ: أنَا صَاحِبُكَ فِي لَحْدِكَ وأَنِيْسُكَ فِي وَحْشَتِكَ وأَقْعُدُ يَوْمَ الوَزْنِ فِي مِيْزانِك وأُثْقِلُ مِيزَانَكَ هَذَا أَخُوهُ الّذِي هُوَ عَمَلُه كَيفَ تَرَوْنَه؟ قالوا: خَيرُ أخٍ و خَيرُ صَاحِبٍ يا رسولَ اللهِ. قالت عائشة: فقام إليه عبد الله بن كرز فقال: يَا رسولَ اللهِ أَتَأْذَنُ لِي أَنْ أَقُوْلَ عَلَى هَذَا أَبْيَاتًا؟ فقال: نَعَمْ، ثمّ أنشأ عبد الله يقول الأشعار المذكورة في الفوق ثم يبكي النبي وأصحابه بسبب استماع هذه الأبيات[17].
§ الرثاء
نموذج من متمم بن نويرة:
فعينيَّ، هلاّ تبكيان لمالك * إذا أذرت الريحُ الكنيفَ المرفَّعا
وللشرب فابكي مالكا، وَلِبُهْمَةٍ * شديدٍ نواحيه على منْ تشَجَّعا
وللضعفِ إنْ أَرْغَى طُرُوقًا بَعِيرَه * وعانٍ ثوى في القَدِّ حتَّى تكَنُّعا
وأرملةٍ تمشِي باشعثَ مُحثل ٍ* كفرخِ الحبارى رَأسُهُ قدْ تضَوَّعَا
إذا ابْتَدَرَ القَوْمُ القِداحَ وأوْقَدَتْ * لهُم نارُ ايسارٍ كفَى منْ تَضَجَّعا
وإنْ شَهِدَ الأيْسَارَ لم يَلْفَ مالِكٌ * على الفرث يَحْمِي اللَحْمَ ان يَتَمَزَّعَا
§ الشعر في الإسلام
ليس كلّ شعر محرّم عند الشرع بل قد سمحت الشريعة السمحاء ذلك بشرط أن لا يكون فيه الهجاء والاستهزاء والبهتان والتعصّب القبلي وقد ذمّ النبي ذلك بقوله «لَأنْ يَمتَلِىءَ جَوفُ رَجُلٍ قَيحًا يَرِيْهِ[18] خَيرٌ له مِنْ أن يَمتَلِىءَ شِعْرًا»، رواه الشيخان في صحيحيهما من حديث أبي هريرة رضي اللَّه عنه. وبما ذكرنا تعلم أن التحقيق أن الحديث الصحيح المصرّح بأن امتلاء الجوف من القيح المفسد له خير من امتلائه من الشعر، محمول على من أقبل على الشعر، واشتغل به عن الذكر، وتلاوة القرآن، وطاعة اللَّه تعالىٰ، وعلى الشعر القبيح المتضمّن للكذب، والباطل كذكر الخمر ومحاسن النساء الأجنبيّات، ونحو ذلك[19]. وأما غير ذلك فجائز مثل الشعر لذبّ الدين ونضال الرسول صلى الله عليه وسلّم. وهذا كلّه قد بيّنه القرآن الكريم في سورة الشعراء من الآية 224 إلى الآية 227.
§ الشعراء في هذا العصر
كان الشعراء في العصر الإسلامي أربع فئات: 1) الفئة الأولى تركت الشعر وانصرفت إلى عبادة الله كلبيد بن ربيعة العامري، 2) والثانية عمدت إلى اضطهاد النبي وهجائه منهم أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلّب وعبد الله بن الزبعري و كعب بن الأشرف، 3) والثالثة من أنصار النبي وصحابته كانت تردّ على المشركين وشعرائهم وتدحض مزاعمهم ومن هؤلاء حسّان بن ثابت الأنصاري وكعب بن مالك وعبد الله بن كرز وعبد الله بن رواحة وكعب بن زهير، 4) والرابعة ينتمي إليها جماعة من الشعراء ظلّوا يقولون الشعر في الإسلام كما كانوا يقولونه في الجاهلية ولكنّهم أسقطوا منه كل ما يخالف الدين وشعراؤهم كثيرون منهم أبو دهبل الجمحي والنابغة الجعدي ومعن بن أوس وعمرو بن معديكرب ومتمم بن نويرة وأبو محجن الثقفي والحطينة وغيرهم.
4) خصائص الأدب في هذه الحقبة
أ‌- في الخطابة
لها مزايا خاصة ومميزات جديدة منها: زوال العناصر الجاهلية: المفاخرات والمنافرات والتعصُّب القبليّ والتفاخر بالأنساب والتنابذ بالألقاب، الابتعاد عن اتّخاذ السجع أساسا لها، ازدهار الخطابة الدينية والحربية وخطب المحافل والوفود والخطب السياسية والوصايا، انطباع الخطبة بالليّن والهدوء، عدم اشتمالها على شيء من الشعر وإنما كانت نثرا تماما، تأثّرُها بأسلوب القرآن، إيضاح وحدة الموضوع وترابط الأجزاء.
ب‌- في الشعر
الشعر في هذه الحقبة ضعيف الميدان وضيق الدائرة، ليس مشهورا كما في الجاهلية، يظهر فيه المواضيع الجديدة التي لم تكن قبله كموضوع القضاء والقدر، أكثر رقّةً وعذوبةً وأسهل فهما من الشعر الجاهلي، أكثره على نوع الشعر المديح.
ت‌- في الكتابة والنثر الفنّي
أخذت تنتشر الكتابة مع ظهور الإسلام التي كانت قليلة في الجاهليةغير أن نطاقها محصور على المراسلات والعقود والعهود وبعض سجلاّت دولة. وأوّل من أنشأ في الإسلام ديوانا هو عمر بن الخطاب، وعلى الجملة فقد كانت رسائل هذا العصر تمتاز ببعض الخصائص: 1) ابتداؤها بالبسملة والحمدلة واختتامها بالسلام على المرسل إليه، 2) خلوّها من ألفاظ التفخيم والتعظيم، 3) حذوها حذو القرآن في الجزالة والبعد عن الغرابة وإطالة الجملة، 4) البعد عن التكلّف، 5) كثرة الاستشهاد بالقرآن.
وأما الفنّ النثري فقد ازدهر مع الإسلام وتطورت عبارته واهتمّت به القرآن حتى أصبحت في غاية البلاغة وحسن السبك وهو المثل الذي يتناول الأخلاق والسلوك والحياة والموت والإنسان والدين ونظم العيش وعلاقات البشر بعضهم ببعض والمجتمع والسياسة. وأحسن من تكلّم بالأمثال هو عليّ بن طالب كرّم الله وجهه لأنه يلقيها بالإيجاز والسبك وحسن التأليف والعناية بالموسيقى اللفظية والتأثر بالقرآن الكريم.
المراجع
الهاشمي، جوزيف، وأصدقاؤه. المفيد في الأدب العربي. (بيروت: المكتب التجاري للطباعة والنشر).
حامه، محمد ابو النجاس ،جمعة، محمد الجندي. الأدب العربي وتاريخه في العصر الجاهلي.
الشيخ أحمد الإسكنداري، مصطفى عنافي. الوسيط في الأدب العربي وتاريخه.
الكاندهلوي، محمد بن يوسف. الطبعة الثانية. 2003. حياة الصحابة. (بيروت: دار الكتب العلميّة).
أحمد أمين. فجر الإسلام. لبانان: دار الفكر.
ابن كثير، الحافظ.1424. تفسير ابن كثير. ج:4 . مكتبة مشكاة الإسلامية.
الأندلوسي،أبو حيّان.1425. البحر المحيط. مكتبة مشكاة الإسلامية.
الشنقيطي، محمد الأمين. 1424. أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن. ج:6 . مكتبة مشكاة الإسلامية.
Yatim, Badri, Dr. M.A. 2000. Sejarah Peradaban Islam: Dirasah Islamiyah II. Jakarta: PT RajaGrafindo Persada.
Mufrodi, Ali, Dr.1997.Cetakan Pertama. Islam di Kawasan Kebudayaan Arab. Jakarta: Logos Wacana Ilmu.


[1] حامه، محمد ابو النجاس ،جمعة، محمد الجندي. الأدب العربي وتاريخه في العصر الجاهلي.
[2] آل عمران: 85
[3] آل عمران: 19
[4] الحاقة: 40 - 43
[5] البقرة: 23
[6] الشعراء : 224-227
[7] جوزيف الهاشمي وأصدقاؤه، المفيد في الأدب العربي، (بيروت: المكتب التجاري للطباعة والنشر)، ص. 174.
[8] جوزيف الهاشمي وأصدقاؤه، المفيد في الأدب العربي، (بيروت: المكتب التجاري للطباعة والنشر)، ص. 178.
[9] أحمد أمين، فجر الإسلام، (لبانان: دار الفكر)، ص. 76-77.
[10] هذا من بعض صفات الجاهلية الذي نصّ عليه القرآن في سورة آل عمران : 20
[11] جوزيف الهاشمي وأصدقاؤه، المفيد في الأدب العربي، (بيروت: المكتب التجاري للطباعة والنشر)، ص. 182.
[12] محمد بن يوسف الكاندهلوي ، الطبعة الثانية، 2003، حياة الصحابة، (بيروت: دار الكتب العلميّة)، ص. 748.
[13] محمد بن يوسف الكاندهلوي ، الطبعة الثانية، 2003، حياة الصحابة، (بيروت: دار الكتب العلميّة)، ص. 748 - 779.
[14] هالك
[15] أى رافع صوتي بالبكاء
[16] محمد بن يوسف الكاندهلوي ، الطبعة الثانية، 2003، حياة الصحابة، (بيروت: دار الكتب العلميّة)، ص. 778.
[17] محمد بن يوسف الكاندهلوي ، الطبعة الثانية، 2003، حياة الصحابة، (بيروت: دار الكتب العلميّة)، ص. 777 - 778.
[18] مضارع وَرَى القَيْحُ جَوْفَه، يَرِيهِ، وَرْيًا إذا أكَلَه وأفْسَدَه.
[19] محمد الأمين الشنقيطي، 1424، أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن، ج:6، مكتبة مشكاة الإسلامية، ص.314.

0 komentar:

Posting Komentar